فصل: مسألة دية العمد إذا قبلت ولم يشترطوا فيها شيئا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يقول دمي عند أبي خطأ أوعمدا:

وسألته عن الرجل يقول دمي عند أبي خطأ أو عمدا، قال: أما الخطأ فإن الورثة تستوجب عقله على عاقلة الأب بقسامتهم والقسامة تجب لهم على الأب بقول ابنه: دمي عند أبي خطأ، وأما قوله دمي عند أبي عمدا فإنه إن لم يفسر العمد وأبهمه رأيت أن يقسموا على قوله فإن استحقوا دمه درأ عنه القتل لإبهام ابنه العمد الذي رماه به وأغلظت عليه الدية كما صنع عمر بالمدلجي، وكانت في خاصة ماله.
قال: وإن قال أضجعني وذبحني ذبحا وأخذني فبقر بطني وما أشبه هذا مما لو صنع مثله فأثبتته عليه بينة أقيد منه ويقتل به، فإن القسامة تقسم على الأب بقول ابنه ويستحقون الدم، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا.
قال محمد بن رشد: هذا كله بين على المشهور من قول مالك في أن القسامة تكون في الخطأ بقول المقتول قتلني فلان خطأ، وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم العتق من سماع عيسى ولا اختلاف في المذهب في أن قول المقتول قتلني فلان عمدا لوث يوجب القسامة والقود، وإذا وجب به القود في الأجنبي. فأحرى أن يجب به في الأب إذا بين في تدميته عليه أنه قصد إلى قتله بالوجوه التي ذكرها وشبهها.

.مسألة من تغلظ عليه الدية أيرث من المال:

قلت: أرأيت الأب أو كل من تغلظ عليه الدية إذا غلظت عليه أيرث من المال؟ بمنزلة من قتل وليه خطأ أم لا يرث من المال ولا من الدية؟
قال محمد بن رشد: لم يقع لهذه المسألة جواب، والجواب فيها ما وقع من قوله في المدونة أنه لا يرث من ماله قليلا ولا كثيرا لأنه من العمد، وليس من الخطأ، ولو كان من الخطأ لحملته العاقلة، وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، الاختلاف في كونها على العاقلة، ولا يدخل الاختلاف في الميراث من ذلك، والله أعلم.

.مسألة الكبير يقول دمي عند فلان يرمي به صبيا:

وسألته عن الرجل الكبير يقول: دمي عند فلان يرمي به صبيا قال: يقسم القسامة مع قوله، ويكون العقل على العاقلة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن عمد الصبي خطأ وبالله التوفيق.

.مسألة يقول قتلني فلان وقتل فلانا لرجل آخر:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقول: قتلني فلان وقتل فلانا لرجل آخر، قال: يقبل قوله في نفسه وفي غيره، وتكون القسامة مع قوله في غيره إذا كان عدلا، وليس مثل الرجل يقول: قتلني فلان وقتل ابني أن قوله لا يقبل في ابنه ويقبل في نفسه، قلت وإن قال قتلني خطأ وقتل فلانا عمدا فسكت.
قال محمد بن رشد: الفرق بين أن يقول: قتلني فلان وقتل فلانا وبين أن يقول: قتلني وقتل ابني بين؛ لأنه شاهد لنفسه مدع دعوى قد أحكمت السنة إسقاط التهمة عنه فيها، فوجب أن تجوز شهادته مع ذلك لغيره، إذ لو شهد لغيره دون أن يشهد لنفسه لجازت شهادته له وألا تجوز لابنه إذ لو شهد لابنه دون أن يشهد لنفسه لم تجز شهادته له.
وأما إذا قال قتلني فلان خطأ وقتل فلانا عمدا فسكت عن الجواب في ذلك، وذلك يتخرج على الاختلاف في إعمال قوله قتلني فلان خطأ؛ لأنه إذا لم يتهم في قوله قتلني فلان خطأ وأعمل وجب إعمال قوله وفلانا عمدا، وإذا اتهم في قوله قتلني فلان خطأ في أنه أراد غنى ولده فلم يجز قوله، وجب ألا يعمل قوله وقتل فلانا عمدا؛ لأنها شهادة واحدة، فإذا سقط بعضها للتهمة سقطت كلها على المشهور في المذهب، وقد مضى في نوازل أصبغ من كتاب الشهادات تحصيل القول فيما يجوز فيه بعض الشهادة إذا رد بعضها مما لا يجوز وبالله التوفيق.

.مسألة على من تكون الدية:

وسئل عن الرجل يجرح النصراني أو العبد ثم يسلم النصراني ويعتق العبد ويقول هذا العبد بعد العتق والنصراني بعد الإسلام دمنا عند فلان أن أولياء النصراني إن كان له أولياء مسلمون أو العبد كذلك إن كان له أولياء أحرار من ولد وإلا فمواليه أقسموا واستحقوا الدية في النصراني وفي العبد ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم تكون للورثة الذين أقسموا.
قلت على من تكون الدية أعلى العاقلة أم في مال الجاني؟ قال: بل في مال الجاني.
قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أنه لا قسامة في ذلك فإن ثبت الجرح حلف ورثته يمينا واحدة واستحقوا الدية في ماله، وهو قول له وجه؛ إذ لا يستحق بذلك الدم فيجب فيه القصاص في العمد أو الدية على العاقلة في الخطأ، وإنما يستحق به مال، وقوله إن الجناية في مال الجاني يريد كانت الجناية عمدا أو خطأ، وقد مضى الكلام على هذه المسألة في رسم بع من سماع عيسى لتكررها هناك فلا معنى لإعادته.

.مسألة قال الرجل دمي عند فلان قتلني خطأ:

وسألته عن القسامة وما تفسيرها إذا قال الرجل: دمي عند فلان قتلني خطأ فقيل لولاته وهم ورثته: أقسموا فأبوا وردوا الأيمان على المدعى عليهم من هؤلاء الذين ترد عليهم الأيمان المدعى عليهم أو العاقلة التي تحمل عقل الجناية؟ فقال لي: ذلك على المدعى عليهم الدم وعاقلتهم الذين يجب عليهم العقل، قلت فيحلف منهم خمسون رجلا أو يحلفهم كلهم؟ فقال لي: يحلف خمسون رجلا، قلت: فإن أبوا وتقدم عشرة وحلفوا؟ فقال لي: يبرأ هؤلاء ويكون العقل على من بقي، قلت: ما معنى هذا يبدؤون ويكون العقل على من بقي أيسقط خمس الدية لأن عشرة حلفوا؟ أو يسقط عنهم ما يقع عليهم على قدر العاقلة وكثرتهم؟ فقال لي غير القول الأول إن مالكا قال لي هو مثل الحق، فإذا نكل أولياء الدم عن القسامة فهو حق قد وجب على عاقلة المدعى عليه، فليس يبرئهم إلا اليمين ولو كانوا عشرة آلاف، ومن حلف منهم سقط عنه بقدر ما يصيبه، ومن لم يحلف غرم بقدر ما يقع عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في أول رسم من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة النصراني يضرب ثم يسلم فيقول قتلني فلان:

قال ابن القاسم في النصراني يضرب ثم يسلم فيقول قتلني فلان فقال: يقسم ورثته ويأخذون الدية، وليس لهم أن يقتلوا، وكذلك العبد يجرح ثم يعتق فيقول: فلان قتلني مثله، وأما النصراني لو ضرب فقال: فلان قتلني ثم مات فليس له فيه شيء لا بقسامة ولا بيمين إلا أن يقوم بشاهد واحد فيحلف أولياؤه يمينا واحدة ويأخذون الدية وهو خلاف لما في كتاب المسائل رجع إلى هذا، ورجع إلى أن قال إذا قال الرجل قتلت فلانا خطأ أنه لوث، فإن شهد على إقراره رجل أنه أقر أقسم مع شاهده ثم ترك هذا وقال: لا يجوز حتى يشهد على إقراره شاهدان ورجع في مسألة أم الولد عما في كتاب المسائل.
قال محمد بن رشد: قوله في النصراني يسلم والعبد يعتق بعد الجناية على كل واحد منهما، قد تقدم في هذا الرسم قبل هذا، ومضى الكلام عليه في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى.
وأما قوله في النصراني يضرب فيقول: فلان قتلني ثم يموت إنه ليس فيه قسامة ولا يمين فهو أمر لا اختلاف فيه، وأما إذا كان لولاته شاهد على قتله فقوله: إنهم يحلفون مع شاهدهم يمينا واحدة ويأخذون الدية مثله في المدونة، وهو خلاف ظاهر ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك فلا معنى لإعادته ومضى الكلام أيضا في القسامة مع إقرار القاتل بقتل الخطأ ومع الشاهد الواحد على إقراره بذلك فلا معنى لإعادته، ومسألة أم الولد التي أشار إليها وذكر رجوعه عما قال في كتب المسائل فيها هي مسألة أم الولد تقتل سيدها والله أعلم، وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في رسم سلف من سماع عيسى فلا معنى لإعادته.

.مسألة قال قتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ:

قال وسمعت أشهب يقول إذا قال: قتلني فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ وقال رجلان من ولاته قتل عمدا وقال الآخرون وهم اثنان أيضا قتل خطأ وهم في القعدد سواء أقسموا كلهم واستحق الذين أقسموا على الخطأ نصف الدية على العاقلة، واستحق الذين أقسموا على العمد نصف الدية في ماله.

.مسألة لو قال اثنان منهم: قتل عمدا، وقال الآخرون: لا علم لنا أو نكلوا:

قال أشهب وكذلك لو قال اثنان منهم: قتل عمدا، وقال الآخرون: لا علم لنا أو نكلوا حلف الذين ادعوا العمد واستحقوا نصف الدية في ماله.
وإنما نكولهم عن الأيمان عن القسامة قبل أن يجب لهم الدم كعفوهم عنها لو وجبت للميت فيصير لمن بقي نصيبهم من الدية ويسقط القتل، قلت لأشهب: فإن قال دمي عند فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ أو شهد بذلك شاهد ولم يقل عمدا ولا خطأ وللميت بنات وعصبة فقال البنات: قتل عمدا وقال العصبة: خطأ؟ قال: فإن البنات لا يقسمن في العمد، ولا يكون لهن إلى الدم سبيل ولكن يقسم البنات والعصبة فيكون للعصبة ثلث الدية على عاقلته، ويكون للبنات ثلث الدية في مال الجاني خاصة لأنهن يزعمن أنهم لا شيء لهن على العاقلة، وقلت لأشهب إنه يزعمن أنهن لا حق لهن في ماله وإنما حقهن في دمه؟ قال: إنه لما لم يكن لهن إلى القتل سبيل كان بمنزلة ما لو استحقوه ثم عفا بعض من يجوز له العفو وصار نصيب من بقي في ماله، فكذلك إذا لم يكن إلى الدم سبيل لأن البنات لا يقسمن في العمد ليقتلن، إنما أقسمن واستحققن الدية في ماله ولم يكن لهن على العاقلة شيء.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا إنه إن قال بعض الأولياء: قتل عمدا، وقال بعضهم: قتل خطأ وهو في القعدد سواء أقسموا كلهم واستحق الذين أقسموا على الخطأ نصف الدية على عاقلته، والذين أقسموا على العمد نصف الدية في ماله خلاف قول ابن القاسم في المدونة أنهم إن حلفوا كلهم كانت لهم دية الخطأ بينهم كلهم الذين ادعوا العمد والذين ادعوا الخطأ، ولكلا القولين وجه من النظر، فوجه قول أشهب أن المقتول لما أبهم الأمر في تدميته عليه فلم يقل عمدا ولا خطأ كان القول قول كل طائفة من الولاة فيما ادعوه من عمد أو خطأ إن حلفوا جميعا فإن نكل بعضهم أو قالوا لا علم لنا حلف من ادعى المعرفة منهم على ما يدعيه من عمد أو خطأ وكان القول قولهم في حظهم من الدية على القاتل في ماله إن ادعوا العمد وحلفوا عليه على أصله في أن نكول بعض الأولياء في العمد لا يبطل حق من لم ينكل من الدية، وعلى العاقلة إن ادعوا الخطأ وحلفوا عليه ولم يكن للذين نكلوا أو قالوا: لا علم لنا شيء، ولو كان بعضهم أقعد من بعض على مذهب أشهب لكان القول قول الذين هم أقعد فيما ادعوه من عمد أو خطأ يحلفون عليه ويستحقونه إما على العاقلة وإما في ماله، ولا سبيل لهم إلى القول على حال إذ لم ينص الميت على عمد ولا خطأ، ولا شيء للأبعد معهم في ذلك، ووجه قول ابن القاسم أن الميت لما أبهم التدمية وجب أن تحمل على الخطأ؛ لأنه الأقل حتى يعرف الأكثر على الأصل في براءة الذمة فكان لمن ادعى الخطأ من الولاة أن يقسموا ويستحقوا الدية على العاقلة، فإن حلف الذين ادعوا العمد شاركوهم في الدية؛ لأنهم مقرون لهم بدخولهم معهم فيها وإن أبوا أن يحلفوا وقالوا: لا علم لنا لم يكن للذين ادعوا الخطأ وحلفوا عليه إلا حظهم من الدية، وإن نكل الذين ادعوا الخطأ وقالوا: لا علم لنا، لم يكن للذين ادعوا العمد أن يحلفوا على ما يدعونه من العمد إذ لم يقل ذلك الميت، بل لو قال ذلك الميت لم يكن لهم أن يحلفوا ويستحقوا الدم ولا الدية على مذهبه إذا نكل بعضهم عن اليمين أو عفا عن الدم، ولا فرق بين أن يعفوا على الدم أو يقر أنه خطأ، وهذا إذا كانوا في قعدد واحد، فإن لم يكونوا في قعدد واحد وكان الذين ادعوا الخطأ أقرب حلفوا واستحقوا الدية على العاقلة ولم يكن للذين هم أبعد منهم شيء؛ إذ لا دخول لهم معهم في الدية، وإن كان الذين هم أقرب هم الذين ادعوا العمد لم يكن لهم أن يقسموا على العمد إذ لم يقل ذلك الميت وإن كانوا بنات وعصبة فادعوا كلهم الخطأ حلفوا واستحقوا الدية على العاقلة، وإن ادعى البنات الخطأ والعصبة العمد حلف البنات واستحققن ثلثي الدية على العاقلة ولم يكن للعصبة شيء، وإن ادعى العصبة الخطأ حلفوا عليه واستحقوا ثلث الدية على العاقلة ولم يكن للبنات شيء؛ لأنهن ادعين العمد ولا قسامة لهن فيه هذا الذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم في المدونة وهو أظهر من قول أشهب، وقد كان القياس أن يبطل الدم ولا يكون في ذلك قسامة لا لمدعي الخطأ ولا لمدعي العمد؛ لأن العاقلة تنازع مدعي الخطأ تقول لهم ليس لكم أن تقسموا على الخطأ إذ لم يقل ذلك الميت والقاتل ينازع مدعي العمد يقول لهم: ليس لكم أن تقسموا على العمد إذ لم يقل ذلك الميت.
وكذلك القياس أن تبطل شهادة الشاهد إذا شهد بالقتل ولم يقل خطأ ولا عمدا خلاف قول أشهب في مساواته بين ذلك وبين قول الميت دمي عند فلان ولم يقل عمدا ولا خطأ، وأما قول أشهب إنه إذا كان له بنات وعصبة فادعى البنات العمد والعصبة الخطأ إن البنات لا قسامة لهن في العمد ولكن يقسمن على ما ادعين وتقسم العصبة على ما ادعت من العمد ويكون للعصبة الثلث ثلث الدية على عاقلته ويكون للبنات ثلثا الدية في مال الجاني خاصة لأنهن يزعمن أنهن لا شيء لهن على العاقلة فقد وجهه بما ذكره من التوجيه وهو ضعيف ولو ادعى على مذهبه البنات الخطأ والعصبة العمد لحلف البنات واستحققن ثلثي الدية على العاقلة، وحلف العصبة واستحقوا الثلث في مال القاتل، والصحيح ما ذكرناه من مذهب ابن القاسم في ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة ما أصيب من أصابع المرأة خطأ شيئا بعد شيء:

وقال أشهب في المرأة تقطع أصبعيها عمدا فتقتص أو تأخذ لذلك شيئا ثم يقطع ما بقي من أصابعها خطأ بقطع الثلاثة معا أو واحد بعد واحد أن لها في ذلك عشر عشر وإن كان في الأصبعين الأولين خطأ فإذا استكملت من ذلك الكف ثلث الدية دية الرجل رجعت إلى النصف.
قال محمد بن رشد: اختلف فيما أصيب من أصابع المرأة خطأ شيئا بعد شيء على ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا يضاف شيء من ذلك إلى شيء، ويكون لها في كل أصبع عشر من الإبل كالرجل سواء إلا أن يقطع لها في مرة أربع أصابع فترجع في ذلك إلى عقل نفسها ويكون لها عشر من الإبل وهو قول المغيرة وعبد العزيز بن أبي سلمة قالا: لا تضم مصيبة إلى مصيبة والثاني أن لها أيضا في كل أصبع يقطع لها عشرا إلا أن ينقطع لها في مرة أربع أصابع فترجع فيها إلى عقل نفسها فحينئذ يكون لها في الأصبع الخامسة خمس على حساب عقلها، وهذا القول حكاه ابن الماجشون عن مالك ونفى عنه ما سواه، والقول الثالث أنه يضاف بعض ذلك إلى بعض فإذا اجتمع من ذلك الدية رجعت إلى عقل نفسها فيكون لها على هذا القول وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها في الأصبع الأولى عشر، وفي الثانية عشر، وفي الثالثة عشر، وفي الرابعة خمس، وفي الخامسة خمس، واختلف على هذا القول هل يحسب عليها ما قطع من أصابعها عمدا فاقتصت به أو أخذت له عقلا، فقال أشهب في هذه الرواية: إنه يحسب عليها ويكون لها في الثلاثة الأصابع ثلاثون من الإبل قطعت معا أو شيئا بعد شيء، كما لو أصيب الأصبعان بأمر من السماء، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك لم يختلف في ذلك قوله، وقد روي عن أشهب أنه يحسب عليها من أصابها ما أصيبت عمدا، وهو قول سحنون وأبي إسحاق والبرقي ولم يروا ذلك بمنزلة ما ذهب بأمر من السماء، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق.

.مسألة دية التغليظ أتكون في المال أم على العاقلة:

وسألت ابن القاسم عن دية التغليظ مثل ما صنع عمر بالمدلجي أتكون في المال أم على العاقلة؟ قال: بل في المال وتكون حالة ولا تكون في ثلاث سنين.
قال محمد بن رشد: هذا مذهبه في المدونة وروايته عن مالك، وقد روي عنه أنها على العاقلة كدية الخطأ مؤجلة وقيل إنها على العاقلة حالة، وقيل: إنها في ماله. إن كان له مال، وعلى العاقلة إن لم يكن له مال، وقد مضى هذا في أول سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.

.مسألة دية العمد إذا قبلت ولم يشترطوا فيها شيئا:

قال ابن القاسم: ودية العمد إذا قبلت لم تكن في ثلاث سنين وكانت حالة.
قال محمد بن رشد: قد قيل في دية العمد إذا قبلت ولم يشترطوا فيها شيئا سن بها سنة دية الخطأ في التأخير، وهو قول مالك في رواية ابن نافع عنه، وقول ابن القاسم في رواية حسين بن عاصم عنه، وأما إذا صولح القاتل على دنانير أو دراهم أو عروض فلا اختلاف في أنها تكون حالة وبالله التوفيق.

.مسألة قال أقسموا على فلان ولا تقسموا على من بقي:

وسئل عن ثلاثة نفر ضربوا رجلا عمدا فقال: أقسموا على فلان ولا تقسموا على من بقي، قال: ذلك له ألا يقسموا إلا على من قال؛ لأنه لو لم يقل لم يكن لهم أن يقسموا إلا على واحد يختارونه فهو أولى بدمه وبالخيار، قلت له وإن كان خطأ؟ قال: وإن كان خطأ فإن الذي يقع بالقلب أن ذلك لا يقبل منه ويقال للورثة أقسموا عليهم كلهم وليس لكم أن تقسموا على بعض دون بعض، فإن أقسموا نظر إلى الذين قال: لا تقسموا عليهم فإن كان ثلث ماله يحمل ما يقع عليهم لم يكن عليهم شيء، وكذلك لو قال: لا تقسموا على أحد قيل لهم أقسموا إن أحببتم فإن أقسموا فكان ثلث ماله يحمل الدية كان كالوصية تجوز في ثلثه مع غيره من الوصايا.
قلت: أرأيت لو لم يقل شيئا فقال أولياؤه نحن نقسم على واحد ونترك البقية؟ قال: ليس ذلك لهم وهو لا يدري من ضرب من مات منهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في أول رسم عبد ابتاعه من سماع يحيى فلا معنى لإعادته والله الموفق.

.مسألة شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات:

قال: وقال ابن القاسم فيمن قتل بين الصفين إذا شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات بعد ذلك بأيام فإن فيه القسامة، قال ابن القاسم: وإن شهد على قتله رجل واحد أو على إقراره رجل واحد فلا أرى فيه القسامة، قيل له فالرجل يقول: قاتلت فلانا وفلانا وأثرت فيهما ثم يموت هل تكون فيه قسامة؟ قال: لا، من قبل أنه بمنزلة من قتل بين الصفين؛ ولأنه زعم أنه قاتلهما وهو كشاهد، ولا يشهد لنفسه، وليس هو بمنزلة من يقول: ضربني فلان وفلان؛ لأنه لما قال قاتلتهما كان بمنزلة من قتل بين الصفين.
قال محمد بن رشد: قوله فيمن قتل بين الصفين إنه إذا شهد رجلان على رجل أنه جرح فلانا ثم مات من تلك الجراحات بعد ذلك بأيام فإن فيه القسامة خلاف قوله عقيب ذلك وأن شهد على قتله رجل واحد فلا أرى فيه القسامة إذ لا فرق في القسامة بين الشاهدين على الجرح وبين الشاهد على القتل فمرة رأى القسامة فيمن قتل بين الصفين بكل واحد من الوجهين وبقول المقتول دمي عند فلان، ومرة لم ير القسامة فيمن قتل بين الصفين بواحد من الوجهين ولا بقول المقتول دمي عند فلان، ومرة رآها بالشاهد على القتل والشاهدين على الجرح ولم يرها بقول المقتول دمي عند فلان، وقد مضت هذه المسألة في رسم الجواب من سماع عيسى ومضى الكلام عليها مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم، وأما شهادة الشاهد الواحد على إقرار القاتل بالقتل فلم ير في هذه المسألة الرواية بذلك قسامة وقد مضى بيان الاختلاف في ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى وبالله التوفيق.

.مسألة قال شجني فلان ولم يسمع ذلك عنه إلا رجل واحد:

قال ابن القاسم: وأما إذا قال الرجل: شجني فلان ولم يسمع ذلك عنه إلا رجل واحد فشهد على ما سمع منه ذلك الرجل وحده، قال لا يقسم مع شهادة هذا وحده، ولا تكون قسامة حتى يشهد على قوله رجلان؛ لأن الذي قال فلان ضربني كأنه وقف موقف شاهد فلا يقسم على الذي ادعى عليه حتى يشهد على قوله رجلان، وكذلك إذا قال فلان قتلني.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله لا إشكال فيه ولا اختلاف.

.مسألة يضربه القوم فيحمل فيقيم أياما فيموت فيقرون أن من ضربهم مات:

قال ابن القاسم: في الرجل يضربه القوم فيحمل فيقيم أياما فيموت فيقرون أن من ضربهم مات أنه لا قتل عليهم لأنهم كذبة لا يصدقون.
قال محمد بن رشد: إنما قال إنهم لا يقتلون جميعا بإقرارهم أن من ضربهم مات لاحتمال أن يكون إنما مات من ضرب بعضهم لا من ضرب جميعهم أو من شيء عرض له غير ضربهم فلا يقتل واحد منهم إلا بالقسامة يقسم الأولياء على أحدهم أنه مات من ضربهم ويقتلونه، وكذلك لو كان الذي ضربه واحدا فعاش بعد ضربه إياه ثم مات فأقر أن من ضربه مات لم يقتل بإقراره إلا مع القسامة على هذه الرواية وعلى ما تقدم في رسم الصبرة من سماع يحيى، وعلى قول المغيرة واختيار سحنون يقتل المقر أن من ضربه مات بغير قسامة وإن أقروا كلهم أن من ضربهم مات قتلوا بغير قسامة فعلى قول المغيرة يقتل المقر أن من ضربه مات بغير قسامة إلا أن يرجع عنه فيقبل رجوعه لأنه يقول ظننت أنه مات من ضربي ثم تحققت أنه لم يمت منه، وقد حكى ابن المواز أن قول ابن القاسم قد اختلف في ذلك، فمرة قال: إنه يقتل بقسامة، وقال مرة بغير قسامة، فقوله: إنه يقتل بغير قسامة هو مثل قول المغيرة، والأولى ألا يحمل ذلك على أنه اختلاف، وأنه إنما قال إنه يقتل بغير قسامة إذا لم تكن له حياة، وقد مضى هذا في أول رسم من سماع عيسى.

.مسألة شهدا على رجل بقتل خطأ فأخذ الأب من العاقلة الدية ثم جاء ابنه حيا:

قال سحنون: وسألت ابن القاسم عن شاهدين شهدا على رجل بقتل خطأ فأخذ الأب من العاقلة الدية ثم جاء ابنه حيا، قال يرد الدية التي أخذ من العاقلة لأنه وإن كان شهد له بمال فقد جاء من ينتزعه من يديه؛ لأنه لا شيء له أصلا، وقد يتقن إن شهد له به ليس كما شهد، قيل له: فإن وجد الأب عديما؟ قال: يغرمه الشاهدان.
قال محمد بن رشد: وقعت هذه المسألة هاهنا في بعض، الروايات وهي ثابتة في كل رواية في الرسم الأول من سماع أصبغ وهي صحيحة بينة لا إشكال في أن الأب يرد ما قبض إذ قد تبين أنه قبض ما لم يجب له.
وأما قوله إنه يغرم الشاهدان إن وجد الأب عديما فهو بيّن إن كانا شهدا بزور إذ لا اختلاف في أن الشاهد يضمن ما أتلف بشهادته من المال إذا تعمد الزور وأما إن كانا شبه عليهما فقد قيل إنهما لا يضمنان وقد مضى تحصيل القول في هذا في أول سماع عيسى من كتاب الشهادات، وإذا غرم الشاهدان للعاقلة في عدم الأب كان لهما أن يتبعا الأب بذلك وبالله التوفيق.

.مسألة يجرحه الرجل فينزى في جرحه فيموت فيقوم لأوليائه شاهد واحد:

من نوازل سحنون وسئل سحنون عن الرجل يجرحه الرجل فينزى في جرحه فيموت فيقوم لأوليائه شاهد واحد أن فلانا جرحه ليس مع الشاهد غيره هل تثبت القسامة لهم؟ قال: نعم، بمنزلة ما لو شهد لهم على القتل، وقد قال لا تجب القسامة بالشاهد الواحد على الجرح حتى يشهد على القتل بعينه.
قال محمد بن رشد: وإذا ثبتت لهم القسامة مع الشاهد الواحد على الجرح على القول بوجوب القسامة وهو الذي في المدونة فيقسمون لجرحه ولمات من جرحه، وقد مضى القول على هذه المسألة وما يتعلق بها في رسم المكاتب من سماع يحيى فلا معنى لإعادته.

.مسألة جرح في منازعة لا يدري من جرحه:

قال سحنون في قوم وقعت بينهم منازعة فدخل رجل يحجز بينهم فأصابه جرح لا يدري من جرحه؟ وكيف إن قتل؟ قال سحنون: إن جرح أو قتل فعلى الفريقين في القتل الدية على العاقلة وفي الجراح في أموالهم إلا أن يبلغ الثلث فيكون على العاقلة.
قال محمد بن رشد: هذا بيّن على ما قاله؛ لا إشكال فيه في القتل أو الجراح إذا كان مما تحمله العاقلة لأنه يدري أنه لم يفعله غيرهم، فيفرق العقل على قبائلهم أجمعين، وأما الجرح فيما دون الثلث فيكون في أموال جميعهم إن حلفوا كلهم أو نكلوا كلهم عن اليمين، وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين برئ من حلف منهم وكان عقل الجرح على من نكل منهم وبالله التوفيق.